القضاء والقدر .. وفعل البشر

التداخل بين مفهوم القضاء والقدر والمسؤولية البشرية.

في زحمة الحياة اليومية، تساءلتُ كثيرًا حول مفهوم القضاء والقدر، وأنا أرى وأسمع شبه يومي حكايات وقصصًا:

🛑 مات — الله يرحمه — قضاء وقدر، زوّجوا ابنتهم غصبًا عنها — نصيب ومقدّر ومكتوب، حوادث تقع .. كلها تُلصق بالقضاء والقدر، وكأننا لسنا مسؤولين عن شيء! هل كل ما يحدث لنا خارج عن إرادتنا؟ أم أن لأفعالنا دورًا ومسؤوليةً لا يمكن إنكارها؟

هذه الحكايات تُثير أسئلة جوهرية حول التداخل بين مفهوم القضاء والقدر والمسؤولية البشرية. نعم، القضاء والقدر موجودان، ولكن فهمهما يتطلب وعيًا أعمق بمعانيهما ومسؤولية الإنسان في حياته. فالإيمان بالقضاء والقدر يعني أن الله يعلم بما سيحدث، ويكتبه في علمه المسبق، ولكن هذا لا ينفي مسؤولية الإنسان عن أفعاله وما يترتب عليها.

الحياة مليئة بالأمثلة الواقعية، وسأختار لكم بعضها:

👈 سائق سيارة مخمور مستهتر صدم طفلة في أحد الشوارع، فهل وفاة الطفلة قضاء وقدر أم بفعل البشر؟

👈 ربُّ أسرة ترك سلك الكهرباء في المنزل مكشوفًا دون تغطية أو حماية، لمسه ابنه وتوفّي على الفور. فهل وفاة الطفل قضاء وقدر أم بفعل الإهمال البشري؟ .. د. محمد راتب النابلسي.

كلنا نؤمن أن الله يعلم ما سيحدث، ويكتبه في علمه الأزلي، ولكن هذا لا يُعفي الإنسان من مسؤوليته عن أفعاله واهماله.

ولا يمكن تسمية مثل هذه الحوادث بأنها قضاء وقدر محض، بل يجب أن يُحاسب المتسبب بها.

والمعنى الشرعي للقضاء والقدر:

هو تقدير الله تعالى للأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده.

لذا، فالإنسان هو المسؤول الأول عن أفعاله وأعماله، ولا يجوز تحميلها القضاء والقدر للهروب من مسؤولياته تجاهها.

علينا أن نفكر بعمق في دورنا ومسؤولياتنا في صنع الأحداث، مع إدراك الغاية الإلهية التي تشمل كل تفاصيل حياتنا.

الإيمان الحق بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام السلبي، بل يعني العمل، والاجتهاد، وتحمل نتائج الاختيار، مع التسليم الكامل لحكمة الله ورحمته فيما قدّره.

وربما، في لحظة صدق مع أنفسنا، ندرك أن كثيرًا من الألم حولنا ليس قضاءً محضًا، بل كان يمكن أن يُتجنب لو أننا أحسنا الفعل والتدبير.

بحث هذه المدونة الإلكترونية