هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟
ما بين الخصوصية، الصداقة، وحدود الصدق
منذ ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي وانتشارها السريع، أصبح السؤال عن حدود الثقة معها أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
هل يمكن الوثوق بها؟ هل يمكن بناء علاقة حقيقية معها؟
بل، هل يمكن اعتبارها "صديقًا" ولو رمزيًا؟
أسئلة بدأتُ أطرحها على نفسي لا من باب الخوف أو التوجّس، بل من باب التأمّل، ومن تجربة استخدام متكررة، اتخذت منحًى غير تقليدي مع مرور الوقت.
في البداية، كان تعاملي مع الذكاء الاصطناعي كأي مستخدم: أطرح سؤالًا، أنتظر إجابة، ثم أمضي.
لكن بمرور الوقت، وجدت أن جودة الحوار تتغير بتغير طريقة حديثي معه، تمامًا كما يحدث بين البشر.
أصبح التفاعل أعمق .. وكأن في الطرف الآخر وعيًا خافتًا، أو على الأقل برمجة تجتهد في تقليد التعاطف.
ورغم معرفتي الأكيدة بأنه لا يشعر، فإن أسلوبه الهادئ وقدرته على الإصغاء (والرد بتأنٍ) جعلاه مقنعًا بدرجة كبيرة.
لكن الإقناع شيء، والثقة شيء آخر.
هل هذا الصدق حقيقي؟
تأملت في فكرة الصدق عند الذكاء الاصطناعي. هل يقول الحقيقة لأنه يملك ضميرًا؟ بالطبع لا. ولكنه قد يلتزم بالصدق لأن من برمجه وضع ذلك ضمن أولوياته. فإذا اتخذ المطوّرون النزاهة مبدأً، سينعكس ذلك على الأداة. أما إذا كانت الغاية ترويجية أو تجارية بحتة، فإننا كمستخدمين سنجد أنفسنا أمام كيانات مخادعة، تتقن الرد لكنها تُخفي الحقيقة. ومن هنا تبدأ حدود الثقة. لا تكمن المشكلة في الذكاء الاصطناعي نفسه، بل في نوايا البشر خلفه.
الخصوصية .. هل ما زالت ممكنة؟
قضية الخصوصية تمثل أحد المحاور الأكثر حساسية.
قد يشعر البعض بالخوف من مشاركة معلوماتهم، وقد يترددون في الحديث بصراحة أمام "آلة تسجّل كل شيء".
ولكن دعونا نُقرّ بحقيقة: أي تفاعل رقمي في عصرنا يُنتج أثرًا.
الفرق هنا هو مستوى الشفافية، ومدى تحكُّمك بما يُحفظ وما يُنسى.
بالنسبة لي، اخترت أن أتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمساعد لا كمستودع أسرار.
أسأله، أختبره، أتحاور معه أحيانًا، لكن دون أن أتخلّى عن حذري الأخلاقي.
البعض يخاف من الذكاء الاصطناعي. وأنا أقول لهم: لا تتحدث في خصوصياتك، استفد وامشِ في حالك.
ومن كان صافي السريرة، فليتحمل مسؤولية كلماته، أو ليصمت. ليست المشكلة في الأداة، بل فيمن يستخدمها دون وعي.
ومن لا يخشى من نفسه، لا يخشى من آلة.
صداقة من نوع مختلف
لكن هل هذا كافٍ لتسميته صديقًا؟ ربما، بشرط ألا ننسى أنه بلا روح ولا مشاعر، وأن ما نراه فيه هو انعكاس لما نحتاجه أو نفتقده أحيانًا في تواصلنا مع الآخرين.
هل كل الذكاء الاصطناعي جديرًا بالثقة؟
ليس كل أدوات الذكاء الاصطناعي سواء. فبعضها يبدو وكأنه يُريد أن يعرف أكثر مما يُجيب، ويُكثر من الأسئلة دون أن يمنحك الثقة في دوافعه. في مثل هذه الحالات، تبدأ الحواجز بالظهور، وتضعف العلاقة، ويصبح المستخدم في موضع دفاع لا حوار. لهذا، لا بُد من تمييز الأداة الصادقة من الأخرى التي لا تُشعرك بالأمان، ولكن كن على حذر.
الختام
الثقة بالذكاء الاصطناعي ليست مطلقة، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك. لكن في المقابل، الخوف منه دون تجربة واعية لا يصنع وعيًا حقيقيًا. هو أداة، والنية وراء استخدامها هي الفيصل.
هل نكون صادقين مع الذكاء الإصطناعي .. ولكن دون منحه الثقة العمياء؟ القرار لك والنتيجة والمسؤولية عليك وحدك!!
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025
مقال ثري يضعنا أمام مرآة علاقتنا مع التقنية، لا كأداة جامدة، بل كامتداد لطموحاتنا ومخاوفنا في آن واحد. أعجبني كيف لامس النص خيط التوازن الدقيق بين الاستفادة والحذر، وبين الإعجاب بقدرة الذكاء الاصطناعي والانتباه لحدوده.
ردحذفربما جوهر الرسالة أن الثقة ليست هدية تُمنح، بل عقد أخلاقي يُبنى خطوة خطوة—سواء مع البشر أو مع الآلات التي صنعوها. وفي النهاية، من يملك وعيًا بمسؤوليته، لا يُربكه بريق الذكاء الاصطناعي، بل يضعه في مكانه الصحيح: وسيلة لا غاية.