التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوعي الذي لا يكتمل

زاهر ڤويس ..

الوعي الذي لا يكتمل

كلما قرأت أكثر، شعرت أنّني أعرف أقل، وكأنّ المعرفة ليست طريقًا إلى الضوء، بل سلسلة من نوافذ تُطل على ظلالٍ جديدة.

يقول الناس: “أنت مثقف”، فأبتسم في صمتٍ لا ينفي ولا يقرّ، لأنّ المثقف في نظري ليس من وصل، بل من ظلّ يسير رغم اتساع المسافة.
أرى نفسي على عتبة بعيدة من الفهم، لكنها تشتعل فيّ كجمرة لا تنطفئ، تذكّرني بأنّ الاكتمال موت، وأنّ النقصان حياة.

فكلّ خطوة نحو المعرفة ليست اقترابًا من النهاية، بل بدايات أخرى لا تُحصى؛ كأنّ الوعي وعدٌ لا يُوفى، وسرٌّ لا يُكشف، بل يُسكنك ليبقيك في حالة سعيٍ دائم إلى ما لن يُدرك تمامًا.

مقياس الثقافة

كثيرون يظنون أن الثقافة تُقاس بالمقارنة مع الآخرين؛ فيبحث المرء عن جاهلٍ يبدو أمامه واسع المعرفة، أو عن عالمٍ يشعر أمامه بالصِغَر.
لكن تلك المقارنات لا تكشف سوى الغرور أو العجز، ولا تقول شيئًا عن عمق الوعي نفسه.
المقياس الحقيقي لا يكون بينك وبين الناس، بل بينك وبين العلم الذي أمامك، بين ما تعرفه وما لا تعرفه بعد.

فالثقافة لا تُقاس بالمسافة التي تفصلنا عن الآخرين، بل بالمسافة التي ما تزال تفصلنا عن الحقيقة. هي رحلة صامتة لا تحتاج جمهورًا، ولا تصفيقًا، بل قلبًا يسأل، وعقلًا يعترف بأنّ الطريق أطول من كلّ من سار عليه.

خاتمة

ربما لا يصل الإنسان يومًا إلى درجة المثقف، لأن الثقافة ليست مقامًا يُبلَغ، بل يقظة لا تهدأ.
هي بحثٌ لا يكتمل، وسؤالٌ لا يشيخ، ودهشةٌ تتجدد كلما ظننا أننا فهمنا.

فمن ظلّ يسأل، فقد بدأ الطريق، ومن توقّف عن السؤال، فقد انتهى قبل أن يبدأ.

زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة لهذا الشهر

هل كل من لبس معطفًا أبيض هو "دكتور"؟

رحلة على خريطة أفريقيا .. لعبة جغرافية للعقل والخيال

من هم دول الشرق الأوسط؟ .. ومن هم دول غرب قارة آسيا؟