الصين قادمة لا محالة
ولكن احذر من فخ الديون
في العقود الأخيرة، تقدمت الصين بثبات نحو صدارة الاقتصاد العالمي، لا عبر الغزو العسكري، بل عبر النفوذ الاقتصادي والمالي. من خلال مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها في عام 2013، أصبحت الصين أكبر مقرض في العالم للدول النامية، وقدمت قروضًا بمئات المليارات من الدولارات، مموّلة بها مشاريع بنية تحتية ضخمة كالموانئ، والسكك الحديدية، والمطارات، ومحطات الطاقة.
تنويه: تم استخدام الصورة المرافقة لأغراض ثقافية أو توضيحية أو سردية، مع حفظ كامل الحقوق لأصحابها الأصليين
أكثر من 160 دولة تعاملت مع الصين بشكل مباشر، واستفادت من تمويلها، لكنها في كثير من الأحيان دخلت في ما أصبح يُعرف بـ"فخ الديون الصيني" وهو مصطلح يُطلق على الحالة التي تعجز فيها الدول عن سداد ديونها، فتُجبر على التنازل عن أصول استراتيجية لصالح بكين.
سريلانكا:
في عام 2017، فشلت الحكومة في سداد قرض صيني مخصص لبناء ميناء "هامبانتوتا"، فاضطرت لتأجير الميناء للصين لمدة 99 عامًا. هذا ليس استثمارًا، بل نقل غير مباشر للسيادة على مرفق استراتيجي.
أوغندا:
وقّعت على قرض صيني لتحديث مطار عنتيبي الدولي، لكن بنود الاتفاق منحت الصين حق المطالبة بالمطار إذا تعثرت أوغندا في السداد، ما أثار ضجة سياسية داخلية حول "رهن السيادة الوطنية".
جيبوتي، باكستان، لاوس، وزامبيا
أيضًا من بين الدول التي ارتفعت فيها نسبة الديون الصينية إلى مستويات تُنذر بالخطر، مع تزايد الاعتماد على بكين كجهة تمويل وحيدة.
الصين ليست الوحيدة
من المهم أن ندرك أن فخ الديون ليس حكرًا على الصين فقط. فالكثير من الدول المقرضة الكبرى، سواء الغربية أو مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مارست أو ما تزال تمارس تأثيرًا مشابهًا، ولو بأساليب مختلفة.
الفرق بين الصين وغيرها يكمن في:
سرعة الإقراض مقابل ضعف الشفافية.
التركيز على البنية التحتية أكثر من البرامج الاجتماعية أو التنموية.
ربط التمويل بشركات صينية تُنفذ المشروع، مما يُبقي الأموال في دورة اقتصادية صينية، لا في اقتصاد الدولة المستقبلة.
كيف تحمي الدول نفسها من الوقوع في الفخ؟
1. الوعي الكامل بأن لا شيء مجاني في العلاقات الدولية.
2. تحليل جدوى المشاريع قبل توقيع القروض، خصوصًا إن كانت كبيرة وطويلة الأجل.
3. التحقق من شروط القرض، خاصة البنود الخفية المتعلقة بالتحكيم والسيادة.
4. تنويع الشراكات المالية، لتجنّب الاعتماد على طرف واحد فقط.
5. فرض الشفافية والمحاسبة، وإشراك البرلمانات والمجتمع المدني في اتخاذ القرار.
التوازن مطلوب
ليست الصين خصمًا دائمًا، وليست شريكًا مضمونًا دائمًا. وما يُقال عنها يمكن أن يُقال عن غيرها من القوى الكبرى. لكن الفرق تصنعه حكمة من يستقبل القروض، لا من يقدمها.
يمكن أن تتحول القروض إلى أدوات تنمية، ويمكن أيضًا أن تصبح أدوات ابتزاز واستحواذ ناعم. وما بين هذين المصيرين، توجد خيارات كثيرة لا بد أن تفكر فيها كل دولة بحكمة واستقلالية.
الخلاصة:
الصين قادمة لا محالة. ووراءها الغرب لا يغيب. وكل قوة اقتصادية ستبحث عن موطئ قدم في دول العالم.
لكن السيادة ليست شيئًا يُنتزع بالقوة فقط، بل قد يُرهن طوعًا مقابل حفنة مشاريع، أو صفقة عاجلة، أو مطار جديد.
فخ الديون حقيقي، واليقظة لا تعني العداء، بل تعني أن نعرف الثمن قبل التوقيع، وأن ندرك ..
🔴 لذا وجب الحذر ثم الحذر
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025
تعليقات
إرسال تعليق