هل يكون مثلهم؟
حكاية قصيرة عن الإحترام وأدب التواصل
كان محمد يجلس في ركن الغرفة، اتصل بصديقه، رنّ الهاتف ولا احد يجيب، لم يغضب فورًا .. قال: ربما مشغول، ربما نائم، ربما مرهق. لكن حين تتكرر، ويُغلق الخط في وجهه، وتتبعه أعذارٌ لا تصمد ..
نعم .. أعذارٌ هزيلة، يرفع رأسه وكأنه يسأل العالم:
هل أكون مثلهم؟
منهم من يجيبك على الهاتف، لا ليُكمل الحديث، بل ليُسرع بالخروج منه.
يبدأ بـ "ألو .. ألو .. الشبكة ضعيفة"،
أو "ما أسمعك"،
ثم يُغلق الخط،
وكأن الغاية لم تكن السماع، بل التخلّص من المكالمة بلطفٍ مُصطنع.
سأل نفسه بصوت خافت:
هل أكون مثلهم؟
والمؤلم ليس العذر، بل اليقين في داخله أنه كان يسمعه جيدًا، لكنه لم يكن يريد أن يسمعه.
قال محمد:
هل أتعامل بالمثل؟
هل أغلق كما أُغلِق عليّ؟
هل أُهمل كما أُهمِلت؟
هل أقول "سأتصل لاحقًا" ولا أعود؟
هل أعتذر بأنني نسيت .. بينما الحقيقة أنني لم أردّ؟
أستطيع، والله يعلم أنني أستطيع.
لكنني لا أشبههم.
أنا لا أردّ الفظاظة بفظاظة، ولا أكسر الصدق الذي بداخلي لأجبر كسرًا في خارجي.
أستمر باحترامي، لكن بهدوء.
أردّ حين أريد، لا حين يُفرَض عليّ.
أصمت أحيانًا، لا لأني عاجز، بل لأني قررت أن لا أشرح نفسي لمن لا يسمع.
أنا لست مثالًا، ولست مثاليًا.
لكني لا أبيع خُلقي بالتقسيط، ولا أشتري رضا من يخذلني بثمن ضميري.
احترامي ليس ضعفًا،
وصبري ليس غفلة،
وكرمي في التواصل ليس دعوة للاستغلال.
وفي النهاية، اكتفى محمد بابتسامة متعبة، واختار أن لا يكون مثلهم .. فما زل يراه أقل من ثمن أن يفقد نفسه ليشبههم.
وإن فُقد الاثنان، من عساه يجيب؟
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025
تعليقات
إرسال تعليق