التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميكافيلي ولوثر كينغ، الأول صادق العقل، والثاني مخلص للقلب

زاهر ڤويس ..

حين يلتقي الذكاء بالضمير ميكافيلي ولوثر كينغ

الأول صادق العقل، والثاني مخلص للقلب

في كل عصر، يولد من لا يشبه عصره، من يرى ما بعد الجدران، وما خلف السحب، وما تحت قشرة المجتمع. رجل لا تستهويه النماذج الجاهزة، ولا يقنعه الواقع كما هو. اثنان من هؤلاء غيّرا التاريخ، كلٌ بطريقته: نيكولو ميكافيلي ومارتن لوثر كينغ الابن.

أحدهما كتب للحُكّام، والآخر نادى للناس. أحدهما نظّر للسلطة، والآخر ضحّى من أجل العدالة. لكنهما اشتركا في شيء جوهري: كلاهما كان سابقًا لعصره.

ميكافيلي .. عقل بارد في دهاليز السياسة

في زمن الملوك والمكائد، وقف ميكافيلي ليقول الحقيقة كما هي:

الناس لا يسيرون بالفضيلة فقط، بل بالخوف والطمع والمصلحة.

والحاكم، إن أراد البقاء، عليه أن يكون مرنًا كالثعلب، ومهيبًا كالأسد.

في كتابه "الأمير"، لم يكتب وصفة للعدالة، بل كُتيّب بقاء في غابة السلطة.
أشاد بالخداع إن كان وسيلة للبقاء، ورأى أن التدين أداة سياسية لا أكثر.
لم يكن يُروّج للشر، لكنه لم يُنكره إن خدم الاستقرار.

قالها صراحة:
"كن كما يجب لتنتصر."

لوثر كينغ .. صوت القلب في زمن الصمت

أما مارتن لوثر كينغ، في أمريكا العنصرية، خرج شاب أسود يحمل إنجيلاً وصوتًا لا يرتجف. فكان قلبًا ينبض في وجه آلة القمع. لم يحمل سيفًا، بل كلمة. لم ينشد حكمًا، بل كرامة. طالب بعالم لا يُحكم فيه الناس بلون بشرتهم، بل بمحتوى قلوبهم. حلمه لم يكن واقعيًا في زمنه، لكنه كان حقيقيًا بما يكفي ليغيّر الواقع نفسه. هو الذي قال:
"لديّ حلم - I have a dream"
فتحوّل حلمه إلى خريطة أخلاقية تسير عليها أمم اليوم.

في خطبه ومسيراته، نادى بالحب بدل الانتقام، وباللاعنف بدل الثورة الدموية.
سُجن، ضُرب، هُدد، لكنه لم يتراجع.
وحين اغتيل، لم يمت حلمه. بل بدأ ينمو.

قالها بصوت يملأ التاريخ:
"كن كما ينبغي لتُصلح."

الفرق بينهما:

ميكافيلي فهم الناس ليحذّر الأمير منهم،
قال: الواقعية تصنع الدولة.

كينغ فهم الناس ليُعيد لهم ثقتهم بأنفسهم.
قال: الأخلاق تُنقذها.

الأول صادق العقل، والثاني مخلص للقلب.

فهل يمكن أن يلتقي الاثنان؟

أن نرى في الحاكم عقل ميكافيلي، وفي المواطن قلب لوثر كينغ؟

أن نفهم الواقع كما هو، ونؤمن بعالم كما ينبغي أن يكون؟

ربما نحن في انتظار من يجمع بين دهاء الفكر ونُبل القيم،

من يملك حكمة البقاء، وشجاعة الإصلاح.
في ذلك اللقاء النادر، قد يولد عصرٌ يشبه الإنسان حقًا.


العباقرة الحقيقيون لا يُقدّرون حق قدرهم في زمنهم، بل يُحتفى بهم في عصور لاحقة حين تتفتح العقول لاستيعاب رؤاهم." — مجهول

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة لهذا الشهر

هل كل من لبس معطفًا أبيض هو "دكتور"؟

رحلة على خريطة أفريقيا .. لعبة جغرافية للعقل والخيال

من هم دول الشرق الأوسط؟ .. ومن هم دول غرب قارة آسيا؟