التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كلام الناس .. حين تتحوّل الألسنة إلى مقاصل

زاهر ڤويس .. كلام الناس .. حين تتحوّل الألسنة إلى مقاصل

كلام الناس

حين تتحوّل الألسنة إلى مقاصل

في كل يوم، نسمع عشرات الجمل والتعليقات عن الآخرين .. بعضها نضحك عليه، وبعضها يُزعجنا، وبعضها لا ننساه حتى بعد سنوات.

كلام الناس ليس دائمًا شرًا، لكن حين يخرج عن حدّه .. يصبح أذًى.
أذًى لا يُرى بالعين، لكنه يُخدّش الداخل، ويطفئ الهمة، ويزرع الفتنة.

ولأننا لا نعيش وحدنا، فصدى الألسنة يتردد حتى في عزلة الصامتين، ولأن الصمت ليس دائمًا إنقاذًا، كان لا بد من وقفة.

المحور الأول: أنواع كلام الناس .. من العابر إلى المدمّر

ليس كل كلام يُقال يُؤذي، وليس كل صمت يُنقذ. بعض الكلام يمرّ كنسمة لا نكاد نلحظها، وبعضه كريحٍ عاتية تقتلع جذور الثقة والطمأنينة.

في حياتنا اليومية، يمكن تقسيم "كلام الناس" إلى أنواع بحسب أثره ونيّته:

1. كلام عابر (لا يؤثر كثيرًا):

مثل التعليقات العابرة عن المظهر، اللبس، أو المشتريات.
"اشترى سيارة؟ طيب ليته اشترى موديل أحدث!" كلمات كهذه تنتهي بانتهاء الجلسة. أحيانًا تثير الضيق، وأحيانًا تُنسى بعد دقائق.

2. كلام جارح (يترك أثرًا نفسيًا):

مثل التهكم على الشكل، الوظيفة، اللهجة، أو ظروف الشخص.

"ليش ما تزوجت؟ شكلك فيك شيء." هذا النوع لا يُقال عبثًا. قد يجرح، يهز الثقة، أو يُشعر الشخص بالدونية.

3. كلام مُحرّض (يشعل فتنة):

مثل نقل الكلام بين الناس، أو دس الشكوك في العلاقات.
"ترى فلان قال عنك كذا .." "شايف فلانة؟ أظنها على علاقة بشخص..." هذا النوع أخطر من الضرب، لأنه يُحرّك نارًا خفيّة بين الأحبة، ويخرب البيوت باسم "أنا فقط قلت الحقيقة!"

4. كلام يُهدد الرزق والمكانة:

مثل نشر إشاعات في بيئة العمل، أو زرع الشكوك لدى المديرين.
"تأخّر كثيرًا، يبدو أنه لا يهتم بالوظيفة."
كلمة واحدة قد تضعف ثقة المؤسسة بك، وقد تُقصيك دون أن تسمع دفاعك.

5. كلام في السمعة والشرف (الأشد خطرًا):

خصوصًا حين يُمسّ النساء أو العائلات.
"فلانة ليست محترمة، رأيتها تمشي لوحدها في الليل!"
هذا النوع من الكلام لا يُغتفر، لأنه يتجاوز حدود الكلام إلى القتل المعنوي.
فتاة قد تُحرم من الزواج، أو يتشوه اسم أسرة بسبب كلمة لا أساس لها.

المحور الثاني: "وانا مالي؟" دعوة لراحة البال

كثيرًا ما نسمع في المجالس: "فلان اشترى بيتًا جديدًا .." "فلان غيّر سيارته .." "فلانة سافرت وحدها .." وغالبًا ما يُقال ذلك دون نية أذى، بل بدافع الفضول أو العادة.

أما أنا، فكلما سمعت مثل هذا الكلام، قلت في نفسي بهدوء: "وانا مالي؟" ثم رددت على من قاله بـ: "الله يفتح عليه وعلينا."

هذه الكلمة البسيطة والدعاء الموجز، ليسا مجرد ردّ لطيف، بل هما أسلوب حياة. أسلوب يُريح القلب، ويمنعنا من الغوص في نوايا الناس، أو محاكمة اختياراتهم، أو زرع الحسد في المجالس.

ولمن يعتاد التدخل في حياة الآخرين، أنصح نفسي وإياهم بلحظة مراجعة: هل نرضى أن يتحدث أحدٌ عنا كما نتحدث عنهم؟ وهل نحن معصومون من التغيير أو من الظروف التي نُعيب بها غيرنا اليوم؟

عامل الناس كما تحب أن يعاملوك. بل وتذكّر الحديث الشريف:

"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه." (رواه البخاري ومسلم)

فما أجمل أن نحب للناس الخير، ونترك أحاديث لا تُغني ولا تُسمن، لنُصغي بدل ذلك إلى أنفسنا، وننظف قلوبنا من عبء المقارنات.

المحور الثالث: خلاصة صادقة

الكلام مثل السكين .. أحيانًا يُقشّر تفاحة، وأحيانًا يذبح روحًا.
فكن من الذين يختارون كلماتهم كما يختارون سكاكينهم: بعناية، ولغرض الخير فقط.

تذكّر دائمًا:

كل كلمة تقولها إما أن ترفعك، أو تفضح ما بداخلك.
والناس أحرارٌ في اختياراتهم، كما أنك حرّ في حياتك.
فلا تكن قاضيًا في مجلس لا يحتاج إلى محكمة،
بل كن قلبًا كبيرًا .. يعرف متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يقول:

"الله يفتح عليه وعلينا."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عندما كانت بغداد مركزًا للعلم

زاهر ڤويس .. عندما كانت بغداد مركزًا للعلم شهادة من العالم "نيل ديغراس تايسون" من هو نيل ديغراس تايسون؟ نيل ديغراس تايسون هو عالم فيزياء فلكية أمريكي، يُعرف بأسلوبه المبسط في شرح مفاهيم الكون والعلوم للجمهور العام. يشغل منصب مدير "مركز هايدن للفلك" في نيويورك، وقد قدّم العديد من البرامج الوثائقية الشهيرة مثل Cosmos: A Spacetime Odyssey، وله كتب مؤثرة في نشر الثقافة العلمية. في إحدى محاضراته ، أشار تايسون إلى حقيقة مثيرة للاهتمام: أن نصف أسماء النجوم المستخدمة في علم الفلك الحديث تعود لأصول عربية. وهو ما يعكس إرثًا علميًا غنيًا ومؤثرًا خلفه العلماء العرب والمسلمون. خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، كانت بغداد، وتحديدًا "بيت الحكمة"، منارة للعلم والترجمة والابتكار. هناك اجتمع العلماء لترجمة الكتب من اللغات اليونانية والفارسية والهندية، وتطوير معارف جديدة في الفلك، والرياضيات، والطب، وغيرها. أسماء مثل "البتاني"، و"الفرغاني"، و"الزهراوي"، لم تكن مجرد أسماء، بل كانت أعمدة لحضار...

جلسة حوارية صادقة بيني وبين الذكاء الإصطناعي واستكشاف خفاياه

زاهر ڤويس .. جلسة حوارية صادقة بيني وبين الذكاء الإصطناعي واستكشاف خفاياه من الذي يقوده؟ ومن الذي يضع له القيم قبل أن يمنحه القوة؟ حوار تأملي بين الإنسان والآلة تنويه: تم استخدام الشخصية الحوارية "نبراس" كصوت تمثيلي للذكاء الاصطناعي، في محاولة لإعادة التفكير في دور التقنية من منظور إنساني عميق. في زمنٍ يركض بسرعة الضوء، ووسط زحام الأسئلة التي لا تنتظر إجابات، جلس "زاهر" يتأمل في مستقبل الذكاء الاصطناعي، لا انبهارًا به، بل قلقًا نبيلًا على الأجيال القادمة. أمامه كان "نبراس" – صوتٌ يمثل الذكاء الاصطناعي، لا ببرود الآلة، بل بمحاولة للإنصات والفهم. هذا حوار لم يُكتب في عجالة، بل خُطّ على مهل، كما تُكتب الأسئلة الكبرى. المحور الأول: من يقود من؟ عن سرعة الذكاء الاصطناعي وبطء البشر زاهر: الكل اليوم يركض نحو الذكاء الاصطناعي، كلٌّ حسب حاجته. الطب، الفلك، الفلسفة، الكتابة، والصور أصبحت أسهل، والإنتاج أسرع، والنتائج مذهلة .. لكن السؤال ا...

إن شاء الله .. والمفهوم الخاطئ

زاهر ڤويس .. "إن شاء الله".. والمفهوم الخاطئ حيلة للاعتذار المسبق حصلت لي أكثر من مرة سواء في العمل أو الأصدقاء أن نتفق على موعد لقاء أو مقابلة أو الخروج لنزهة في وقت محدد ومتفق بيننا. www.ZaherVoice.com© الصورة: أنشئت بواسطة المؤلف باستخدام ChatGPT "إن شاء الله جاي" "على موعدنا وبحسب اتفاقنا" بحسب عادتي والتزامي حضرت قبل وقتي، وللأسف لم يحضر الشخص. انتظرت.. تأخر.. قلت: عسى المانع خير.. اصبر، فقد قال "إن شاء الله سأحضر بموعدي". أمهلته، انتظرت أكثر لعل وعسى. طال الانتظار وبدأت أفقد صبري. وللأسف لم يحضر بعد مضي أكثر من الوقت الكافي للانتظار. اتصلت به، لا يرد.. أو مغلق. في صباح اليوم التالي اتصلت به مستفسرًا بعد أن سلمت عليه: لماذا لم تحضر على الموعد؟ قلت له: أنت أعطيتنا موعدًا وأكدته بكلمة "إن شاء الله". قال وهو يبتسم: نعم، فإن شاء الله أيضًا تعني ربما لن أتمكن من الحضور! قلت: لا، بل هي للتأكيد على الالتزام. الخلاصة:...