التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أثقال المعرفة وطمأنينة الجهل

زاهر ڤويس ..

أثقال المعرفة وطمأنينة الجهل

بين نعمة العلم وراحة الغفلة

هل يمنحنا الوعي نجاة أم يسرق الطمأنينة؟

كلما ازداد الإنسان علمًا، ازداد وعيًا. وكلما اتّسع وعيه، ازدادت رؤيته للأشياء: الخير والشر، الخطر والأمل، الجمال والتشوّه. لكنه، في المقابل، يفقد شيئًا من الطمأنينة التي كان ينعم بها حين لم يكن يعلم.

www.ZaherVoice.com©

الجهل – في كثير من الأحيان – يشبه غفوة طفل لا تزعجها المخاطر ولا الأحلام، بينما المعرفة توقظك على أصوات كثيرة: بعضها جميل .. وبعضها لا يُحتمل.

قد تمرّ أمم في هذه الدنيا وتغادرها، وهي لم تُدرك يومًا حجم الأخطار التي كانت تلتفّ حولها.
لا لأنها كانت قوية .. بل لأنها كانت غافلة.

القارب العائم

ولتوضيح ذلك، تذكرتُ مشهدًا بسيطًا..

تخيّل قاربًا صغيرًا يمضي فوق نهر هادئ، وعليه رجل لا يعلم أن القارب يتجه ببطء الى شلال صغير، هو مبتسم، مسترخٍ، لا يشعر بالخطر. بينما على الضفّة، يقف آخر يعلم، يلوّح له، يحذّره، لكنه لا يسمع .. أو لا يُدرك ما يُقال. وفي الأخير تغير اتجاه الرياح ليبعد القارب عن الشلال.

في هذا المشهد، الرجل في القارب ليس شريرًا، ولا متهوّرًا، فقط .. لا يعلم.
وذلك الذي يعلم لا يعيش سلامًا، بل يحمل ثقل المعرفة ووجع الإدراك.

هل الجهل أفضل؟

لا. لكن علينا أن نعترف بشجاعة:
العلم لا يضمن الطمأنينة، بل يُحمّلك مسؤولية ما عرفت.
والجهل لا يضمن الأذى، لكنه لا يمنح وعيًا يُنقذ.

مفارقة موجعة

قد ينجو الجاهل لأنه لم يقترب من الخطر الكامل، وقد يُنهك العارف لأنه لم يتحمّل صمته.
وقد يضحك الأول بجهل، ويبكي الآخر بمعرفة، لكن حين تأتي اللحظة الفاصلة يبقى الوعي أثمن، وإن تألّم.

وقد يمرّ الجاهل مرور الكرام .. دون أن يصيبه أذى.

خاتمة

ليست كل طمأنينة دليل نجاة،
ولا كل عناءٍ علامة ضياع.
لكننا، حين نُدرك، نُصبح أكثر إنسانية،
حتى وإن لم تُريحنا المعرفة دائمًا.

فهل نبحث عن طمأنينة الجاهل .. أم عن عناء العارف؟
كلاهما مختلف، والطريق إليهما ليس واحدًا. فهل العلم نعمة أم نقمة؟

📚 اقرأ أيضًا: صديقي الفضولي

زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة لهذا الشهر

رحلة على خريطة أفريقيا .. لعبة جغرافية للعقل والخيال

هل كل من لبس معطفًا أبيض هو "دكتور"؟

القضاء والقدر .. وفعل البشر