رسالة من جيلٍ شارف على الرحيل
حين تصبح التقنية أقوى من ضمير البشر
في زمنٍ ما، كنا نضع الصور داخل ألبومات، ونحفظ الرسائل في أدراج خشبية لا يعرفها سوانا. أما اليوم، فصور الناس ورسائلهم وأصواتهم .. تُرسل وتُسحب وتُحلَّل وتُباع، وكل هذا وهم يظنون أن زر "الإرسال" مجرد اختصار للوقت.
أنشئت الصورة بواسطة المؤلف باستخدام ChatGP
شاهدتُ مؤخرًا مقطعًا يتناول أحدث تحركات شركة "ميتا"، تلك التي لم تعد تُخفي نيتها في دخول سباق الذكاء الاصطناعي بكل ثقلها. استقطبت موظفين من OpenAI، وربما تبني الآن مشروعًا لما يسمى "الذكاء الفائق".
لكن أكثر ما شدّني في هذا الحديث لم يكن السباق التقني ذاته، بل ذلك الجزء الذي تحدث فيه عن احتمالية جمع الصور من هواتف المستخدمين لتغذية هذه النماذج الذكية.
نعم، هواتفنا .. التي نحملها معنا كما نحمل مفاتيحنا، دون أن نفكر أن ما فيها لم يعد يخصنا بالكامل.
أنا شخصيًا لا أستخدم واتساب، ولا فيسبوك، ولا حتى أي تطبيق من هذه المنصات التي تُعرف اليوم بأنها
"مجانية"
لكن
بثمن مخفي.
ليس لأنني خائف على خصوصيتي، بل لأنني أدركت منذ زمن أنني
لا أملك ما يُخشى عليه،
ولكنني أخاف على جيل جديد .. جيلٍ لا يرى الخطر إلا حين يقع فيه.
الكثير من الشباب اليوم يتعاملون مع التطبيقات وكأنها ألعاب بريئة، بينما هي في حقيقتها نوافذ مفتوحة على عوالم لا تُراقب من الداخل فقط، بل تُراقبنا من حيث لا نشعر.
بعضهم لا يدرك أن مجرد صورة أو صوت قد يُستخدم
لاحقًا بشكل لا يخطر له على بال.
أخاف على تلك الفتاة التي تحتفظ بصور طفولتها داخل مجلد على الهاتف، وهي لا تعلم أن هذه الصور قد تُنسخ أو تُستخدم لتدريب آلة لا تعرف الفرق بين البراءة والاستغلال.
أخاف على ذلك الشاب الذي يُحمّل التطبيقات بلا اكتراث، ويمنحها "صلاحية الوصول إلى كل شيء" دون أن يقرأ سطرًا واحدًا مما وافق عليه. أخاف على أولادنا، لأنهم قد لا يجدون من يخبرهم أن بعض التقنيات تشبه السكر المذاب في السم: لذيذة .. لكنها مميتة على المدى الطويل.
والأخطر من ذلك أن بعض الشركات، مثل "ميتا"، قد تلجأ إلى تعديل سياساتها بهدوء، وتمرر تغييرات في الخصوصية لا يلاحظها أحد، لكنها تمهّد لجمع بيانات بصرية أو سلوكية دون وعي المستخدمين.
أنا لست ضد التقنية، بل أكتب الآن عبر واحدةٍ من معجزاتها. لكنّي أرفض أن نتحول إلى كائنات تُربّى لأجل استهلاك المحتوى والتضحية بالخصوصية .. دون أن ندري.
ولهذا، أكتب هذا المقال لا لأجل نفسي، بل لأقول بصوتٍ واضح:
يا من تقرأ هذه الكلمات .. هاتفك ليس مجرد آلة، بل مرآة لما في داخلك. حافظ عليه، لأن فيه أشياء لا تعوّض.
والذكاء الحقيقي، ليس ما تصنعه ميتا أو OpenAI، بل ذاك الذي يحميك من أن تصبح أنت ذاتك "البيانات" التي يتغذى عليها الآخرون.
اللهم إنّي بلّغت.
تعليقات
إرسال تعليق