التخطي إلى المحتوى الرئيسي

يا عزيزي المعطر بشراسة .. العطر لا يزيد من رجولتك

زاهر ويس ..

يا عزيزي المعطر بشراسة .. العطر لا يزيد من رجولتك

حين يصبح العطر وسيلة غزو لا وسيلة جذب

لا أدري متى بدأ الأمر، لكنني صرت ألاحظ أن بعض الشباب لا يضعون العطر، بل يغتسلون به. ورغم الظروف التي يشتكون منها صباح مساء، تكتشف أن عطره وحده قد يساوي ميزانية عائلة! ثم لا يكتفي بهذا، بل يُصرّ أن "يشاركك" العطر — طوعًا أو غصبًا، وغالبًا غصبًا.

www.ZaherVoice.com©

لنأخذ جولة سريعة في درجات "الهجوم العطري":


شمّنا؟ عابر .. مقبول.
بتشمّنا؟ يطالب بالاعتراف بوجوده.
شميتنا؟ أصبحنا ضمن ممتلكاته العطرية.
بتشمّنا بالغصب؟ مبروك، تم احتلالك بالرائحة.

تدخل البقالة، فتدرك أنه مرّ من هنا. تجلس في المواصلات، فتعرف أن مقعدك كان دافئًا برائحته. تصافحه، فتكتشف أن يده مطليّة بالعطر، وأنك الآن رسميًا أحد "ضحاياه". أنت أصبحت معطّرًا باسمه، حتى دون رأيك، ودون موافقتك، وربما دون جهاز تنفّسك أيضًا.

✦ لماذا يفعلون هذا؟ (نعم، هم يعلمون تمامًا!)

1. لفت الانتباه، ولو بأنفك – العطر عند بعضهم وسيلة حضور تعويضي، كأنفٍ يسبقهم.

2. نقص في الذوق العام – يظن أن كلما زاد العطر، زادت وسامته. هذا وهم عطري.

3. ثقافة المشاهير والميديا – الإعلانات تعدهم أن المرأة ستنهار إن شمتهم، ولا يحدث شيء.

4. تجاهل كامل لآداب الرائحة – لا يعرف الفرق بين غرفة نومه ومصعد عمومي.

5. رغبة في التبصيم – أن يترك أثره عليك. لا مجازيًا، بل فعليًا: في ملابسك، وفي روحك، وفي جيوبك الهوائية.

🇯🇵 ماذا عن اليابان؟ احترام الأنوف فن حضاري:
في اليابان، استخدام العطر القوي يُعدّ تعديًا صريحًا على الآخرين ويُطلق عليه مصطلح smell harassment أي "مضايقة بالرائحة"، وليس مجرد مسألة ذوق.

الثقافة اليابانية ترى أن النظافة الشخصية هي الأساس وأهم من الرائحة الاصطناعية، وأنك لا تحتاج إلى أن تعطّر الجو بمن فيك لتثبت أنك نظيف.

بل على العكس، العطور القوية تعتبر سلوكًا فوضويًا، مزعجًا، وغير مهذب. وتحذر من استخدام المعطرات القوية في الأماكن العامة أو المطاعم.

العطر علامة على عدم الذوق .. عارضون في المنتديات مثل Reddit لفتوا أن اليابانيين يعتقدون أن من يستخدم العطر بغزارة قد يحاول إخفاء رائحة جسمه، مما يُنظر إليه كإشارة سيئة عن النظافة الشخصية وليس العكس.

السلوك العام لا يغفر الفوضى الحسية .. خبراء الإتيكيت السياحي يؤكدون أن السياح الذين يتعطرون عطورًا قوية في القطارات أو المطاعم يُعتبرون مسيئين للثقافة المحلية حتى إن لم يكن لديه أي نية سيئة.

إنه احترام المسافة الحسيّة، تمامًا كما تحترم المسافة الجسدية.

❗كم نحن بعيدون، أليس كذلك؟

👈 يبدو أن لثقافة تيك توك وسوشيال ميديا الدور الأكبر في ارتفاع ظاهرة العناية بالعطر حتى البوحشيّة العطرية:
بحسب تقرير لـ ABC News، ثمة ما وصف بـ "حمّى العطور" بين الشبان خاصة من سنّتَين، أصبح العطر جزءًا من الهوية وليس مجرد تزيين.

وفي Business Insider، يُبيّن أن الكثير من المراهقين يشترون العطور الفاخرة بناءً على توصيات مؤثرين على TikTok، وليس على أساس الرائحة نفسها، لتحصيل ما يُعرف بـ “scent wardrobe” — خزانة العطور المواكبة للهوية اللحظية.

ووفقًا لتقرير من The Cut، الصناعة العطرية تشهد نموًا سريعًا، وتعكس رغبة ثقافية في "تقنين" الرائحة الشخصية إلى هوية قابلة للمشاركة — مما يخلق فجوة بين العطر المستخدم لتلطيف النفس وبين العطر المنتج لغزو المساحات الاجتماعية.

🛑 كل هذه المؤثرات تعزز فرضية سلوك متعمد ومدروس، وليس مجرد "سذاجة عطريّة"

هل تعلم يا عزيزي "المعطّر بشراسة" أن بعض الناس تتضايق أو تسعل بسبب عطرك؟ أن البعض يعود للمنزل باحثًا عن الحمام ليستحم او ليغسل يديه، بسبب لقائك العابر؟ هل تظن أننا نحب أن نشمّك رغمًا عن إرادتنا؟ هل تظن أن المصافحة بصابونة عطرية متجسدة في يدك فكرة لطيفة؟ كلا، إنها مزعجة، مقلقة، مختنِقة.

صدقًا، لا حاجة لأن نعرف أنك دخلت الغرفة، ثم خرجت منها، ثم نويت العودة إليها لاحقًا، كل ذلك من خلال طبقة رائحة باقية أكثر منك. لسنا في معركة كيميائية ولا في إعلان عطر فرنسي.

💭 رسالة واضحة:

ضع العطر ولا تسكبه، لا تشنّ هجومًا عطريًا. رشّ نفسك، ولا تغتسل به ولا تسلّم علينا بيدك إذا كانت تعمل كموزّع أوتوماتيكي للرائحة.

📌 تحذير للمستقبل:

الاستخدام المفرط والشرس للعطر قد يعرّضك للمقاطعة الاجتماعية، أو للمطالبة بعدم التعرض والسلام علينا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة لهذا الشهر

حياء المرأة وأنوثتها .. بين الماضي والحاضر

عبده حسين الأدهل: ضوء في ممرات الاستعمار .. وانطفاء بفعل الرفاق

رسالة من جيلٍ شارف على الرحيل .. حين تصبح التقنية أقوى من ضمير البشر