النسب الجيني وصوت الإيمان
بين العقل والإيمان: رحلة جينية نحو المجهول
ما هو الـ DNA؟
الـ DNA (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين) هو الشيفرة الوراثية التي تحمل تعليمات بناء وتشغيل الكائنات الحية، من الإنسان إلى أصغر بكتيريا.
www.ZaherVoice.com©
لماذا هو مهم؟
يحدّد صفاتك الوراثية (مثل لون العين، فصيلة الدم، وغيرها).
يُستخدم في الطب (كالكشف عن الأمراض الوراثية).
وفي العدالة الجنائية (تحليل البصمة الوراثية).
وأيضًا في علم الأنساب وتتبع الأصل العرقي.
وفي هذا المقال، ما يعنينا تحديدًا هو: الجانب المتعلق بالأنساب، وأثره على فهمنا لأصل الإنسان.
كثيرًا ما نُجري فحوصات الحمض النووي (DNA) —
وهو الشيفرة الوراثية التي تحمل كل الصفات التي نرثها من آبائنا وأمهاتنا — بحثًا عن "أصلنا"،
لعل شاشة التحليل تبوح باسم قديم، أو تشير إلى نقطة البدء الأولى، ذلك الجد الجامع الذي تفرّعت منه كل الأنساب، سلالة بعد أخرى.
وعلم الأنساب، كما عرفه البشر قديمًا، كان حكاية تُروى شفهيًا ثم تُسجَّل في الكتب والمخطوطات، توثق السلالات جيلاً بعد جيل.
أما العلم الحديث فيبحث في الجينات والطفرات، يقرأ بصمت ما لا تستطيع الذاكرة البشرية حفظه.
وبين السطور، يلتقي الطرفان؛ فالأول يبحث عن الانتماء، والثاني عن الأدلة، وكلاهما يحاول أن يرسم خريطة للوصول إلى الأصل.
لكننا نصطدم بالحقيقة:
الفحص لا يُظهر لنا "أبا الأنساب"،
بل يُظهر فقط آثارًا متناثرة لسلالات متفرعة، ويضعنا في خريطة بشرية صامتة لا تُفصح عن شيء سوى بعض التغيرات الجينية المتراكمة.
العلم لا يبحث عن الأشخاص، بل عن الطفرات.
لا يعرف من هو "آدم"، ولا يعترف بـ"نقطة بداية روحية".
هو يقيس، ويقارن، ويقول لنا:
أنت تشترك في جيناتك مع سكان هذه المنطقة، منذ عشرة آلاف عام.
ولا أكثر.
لكن الإنسان لا يبحث فقط عن الجينات،
بل عن الحكاية.
يبحث عن الجد الأول لا بوصفه ترتيبًا بيولوجيًا،
بل باعتباره جذرًا روحيًا، وسؤالًا وجوديًا:
من أنا؟ ومن أين أتى صوتي في هذا العالم؟
فبينما يعيدك التحليل الجيني آلاف السنين إلى الوراء،
فهو لا يصل إلى "الأصل الواحد" الذي نؤمن به.
لا لأنه غير موجود، بل لأن أدوات العلم لا تُمسك بما هو فوق الأرقام.
الإيمان يقول:
كلنا من نفسٍ واحدة، من أبٍ واحد، وأمٍّ واحدة، مهما تفرّقت سلالاتنا، وتغيرت ملامحنا.
والعلم يردّ:
نعم، البشر متطابقون جينيًا بنسبة 99.9%، وتشير كل الدلائل إلى سلف مشترك عاش قديمًا، لكننا لا نعرف اسمه، ولا ملامحه، ولا روايته.
علم الأنساب والتاريخ المكتوب
سجلات الأنساب الموثقة لا تتجاوز 6,000 إلى 10,000 سنة، ومعظمها يبدأ من الحضارات القديمة مثل السومرية والمصرية والبابلية.
أي ما قبل ذلك هو غالبًا اجتهاد
التقدير الشرعي (المرويات الإسلامية)
بعض العلماء والمؤرخين المسلمين القدماء، مثل ابن جرير الطبري، قدّروا أن بين آدم ومحمد ﷺ نحو 6000 سنة تقريبًا.
هذا الحساب يعتمد على سلاسل الأنساب الواردة في الكتب السماوية وبعض المرويات الإسرائيلية.
الدراسات التاريخية والأركيولوجية
علماء الآثار والأنثروبولوجيا يربطون وجود الإنسان العاقل (Homo sapiens) منذ حوالي 200,000 – 300,000 سنة في أفريقيا.
أقدم آثار تجمعات بشرية وجدت تعود إلى أكثر من 100,000 سنة.
علم الجينات (الحمض النووي – DNA)
دراسات الحمض النووي على الكروموسوم Y تشير إلى أن الجد الجيني المشترك للبشر (المعروف بـ Y-chromosomal Adam) عاش قبل حوالي 200,000 – 300,000 سنة،
بينما تعود "حواء الميتوكوندريا" (Mitochondrial Eve) إلى فترة ما بين 150,000 – 200,000 سنة.
لكن إن كان البعض، من خلال التأمل في النصوص والتاريخ، يرى أن "أصل النسب" بدأ قبل أربعين أو خمسين ألف سنة،
فمن إذًا ذلك السلف الذي يعود إليه التحليل الجيني قبل ذلك بعشرات الآلاف من السنين؟
ولماذا لا نراه إلا كرمز طافر، لا اسم له ولا عنوان؟
ربما يجيب العلم لاحقًا،
وربما تكون الإجابة في القلب منذ البداية.
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025
تعليقات
إرسال تعليق