حياء المرأة وأنوثتها .. بين الماضي والحاضر
مفاهيم تتبدل .. وثوابت تبهت
في زمنٍ كثر فيه اللهو، وارتفعت الأصوات، وتكسرت الحواجز بين العام والخاص، بات الحديث عن الحياء كصوتٍ خافت وسط زحام لا ينتهي.
أنشئت الصورة بواسطة المؤلف باستخدام ChatGP
والحياء، قبل أن يكون قيمة دينية، هو شعور إنساني أصيل، ينبت في النفس السوية، ويرتبط بالفطرة التي فُطر الناس عليها، ثم جاء الدين فزكّاها وهذّبها.
الحياء لغةً وشرعًا:
الحياء في اللغة مأخوذ من الحَيَاة، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان خشية أن يُذمّ. أما في الشرع، فهو خُلق يحمل الإنسان على اجتناب القبيح، ويمنعه من التقصير في حق ذي الحق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير" – رواه البخاري ومسلم.
حياء تمشى في القرآن:
لعل أجمل ما وُصف به الحياء، كان في موقف فريد: قال تعالى: "فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ" – القصص، 25. كلمة "على استحياء" لم تكن وصفًا لحالها فحسب، بل كانت مشيًا ونبرة وصوتًا وحركة. حياءٌ لم يُخفِ الرسالة، لكنه زينها وأوصلها بأدب.
السيدة مريم .. حياءُ الطهر والاصطفاء:
في زمنٍ كثر فيه اللهو، وارتفعت الأصوات، وتكسرت الحواجز بين العام والخاص، بات الحديث عن الحياء أشبه بمن يُلقي الهمس في زحامٍ لا يصغي. كانت السيدة مريم نموذجاً رفيعًا للحياء المصحوب بالعفة. اختارها الله لرسالة عظيمة، وقد زكاها بقوله:
(يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) – آل عمران، 42.
ولم تكن العفة والحياء ضعفًا، بل صبرًا وحكمة في مواجهة قومٍ جاءتهم بمعجزة لم يعرفوا لها مثيلاً.
حياء النبي .. حياء الأقوياء:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أرق الناس حياءً، رغم أنه قائد وأب وزوج ومُصلِح. "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدرِها" – رواه البخاري ومسلم. حياء لا يمنع الصدع بالحق، لكنه يمنع التبجح والفظاظة.
نساء النبي وحياء الإيمان:
نشأنا على سيرة عائشة رضي الله عنها، فتعلمنا منها الحياء مع الفقه، والأنوثة مع البيان. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا" – رواه الترمذي، وصححه الألباني. ومن أعظم الخلق: الحياء.
حين يرتفع الصوت .. تبهت الأنوثة:
لم يكن الحياء خصلة تُقيد المرأة، بل كان زينة تحيط بها، وسُترة تحفظ حضورها. إن رفع الصوت، والتبجح في القول، وإن ظنّه البعض جرأة، فإنه يُفقد الأنثى بعضًا من نورها وأنوثتها، لا لأنها ضعيفة، بل لأن الحياء كان دومًا تاجًا لا يُرى، لكنه يضيء.
فتحات الموضة .. وقَطعُ الحياء:
لم تعد "الموضة" مجرد ذوق في اللون أو اتساع في القصّة، بل امتدت لتلامس مناطق الحياء. أصبحت الملابس النسائية التي تُسوّق على أنها محتشمة، تحمل في تصميمها فتحات دائرية أو مربعة عند الصدر، أو فتحات في الظهر، أو شقوقًا جانبية تظهر الساقين، بل صار بعض الثياب يُقصّ عمدًا من المنتصف ليكشف أكثر مما يستر. أسميها "قَطعًا" لا "فتحات" .. لأنها تقطع صِلة الثوب بوظيفته الأصلية: الستر. هذه ليست زينة، بل فخّ ناعم، تُزيّن به الأسواق العري في ثوب الحشمة، فيلتبس الأمر على الفتاة الطيبة قبل غيرها.
مفاهيم تتبدل .. وثوابت تبهت:
مرّت العقود، وتبدلت معاني كثيرة. كان السواد رمزًا للستر، ثم صار علامة على التشدد عند البعض، وموضة أنيقة عند آخرين. ألوان الحياء ليست حكراً على الأسود، فالحشمة قد تُلبَس رماديًا أو بنيًا أو أي لون محتشم ليس فيه جذب للنظر كالأحمر والأصفر مثلاً.
لكن روح الحياء لا تُشترى ولا تُفصّل. علينا أن نتفكر قليلاً في مدى امتصاص اللون الأسود للحرارة في بيئة تتجاوز 40° وربما تصل إلى 50° فما فوق. لماذا الأسود؟ حتى العباءة السوداء أصبحت تتماشى مع الموضة. دعونا نجرب وضع غطاء أسود للرأس في بيئة مماثلة، كم من الوقت سنتحمل؟
نقاشات بلا حياء:
في ستينيات القرن الماضي، كانت بعض المفاهيم تُناقش بهدوء، والحياء حاضر حتى في الخلاف. أما اليوم، فغاب الحياء عن النقاش، وبقيت الحدة والاتهام. نُقاشات كـ"المساكنة"، "العلاقات المفتوحة"، أو حتى "حرية الجسد" تُطرح اليوم بصوت عالٍ، بينما كانت بالأمس تستحي الألسن من تداولها.
الإعلام بدّل الذائقة والغالي والنفيس، وزاحم الفطرة، فأصبحت معايير الحياء تُقاس بصور لا بأخلاق. لكن وسط كل هذا، يبقى الحياء ثابتًا، لا ينتمي لعصرٍ أو لونٍ أو شكل، بل هو نَبض فطرة خالدة.
تأمل أخواتنا في الكنائس:
ما زلن يتمسكن بلباس محتشم، رداء بسيط طويل وسترة للرأس. لا تفرضه عليهن دولة، بل تلهمهن به الروح. فلماذا لم يُتهكم على حشمتهن، ولماذا لم تُخترق مفاهيمهن كما اخترقت مجتمعات أخرى؟ ولا علاقة له بالموضى.
وختاما:
في بيئتنا، لم تعد المسلسلات تخجل من عرض ابن الزنا، ولا من التعايش وقبول فكرة الفجور، وكأنهم يقولون للفتاة: كوني جريئة، لا عفيفة.
ورغم أن في كل مجتمع شوائب، لكن المعضلة حين تصبح الشوائب "هوية فنية" ومادة يومية، تصنع وعيًا زائفًا وتطبع الانحراف.
فهل آن أن نعيد الاعتبار للحياء؟
ليس كقيود، بل كزينة. كقيمة تحفظ للمرأة نورها وأنوثتها وحيائها.
👈
اهتموا بها فهي صانعة الأجيال القادمة.
👈
انتبِهوا قبل فوات الأوان.
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025
رائع
ردحذف