نصيبك يا بنتي
عن الحب الذي ضاع بين القسمة والاختيار
"بين ما نختاره وما يُفرض علينا، تتشكل حكايات لا تكتمل .. حكايات عن قلوب أحبّت ولم تُنصفها القسمة."
تنويه: تم استخدام الصورة المرافقة لأغراض ثقافية أو توضيحية أو سردية، مع حفظ كامل الحقوق لأصحابها الأصليين
منذ صغرها، كانت ليلى تسمع هذه العبارة تتردد في كل موقف:
"يا بنتي كل شيء قسمة ونصيب."
كأنّ الحياة لا تدار بالإرادة، بل تُجرّ كخيط في يد لا تراها.
حين تعرفت على
محمد
في الجامعة، لم تكن تبحث عن حب، بل عن إنسان يسمعها حقًا.
كانت كلماته صادقة، تلامس فكرها، وأحلامها تشبه أحلامه.
ولمّا اعترف بحبه لها، لم تندهش .. لأنها كانت تنتظره.
"نتخرج، وأتقدم لك رسمي، من الباب زي ما بيقولوا"، وعدها يومًا.
ولم يكذب.
تخرّج
محمد
وجاء إلى بيتها، يحمل قلبه في كفيه، وطرق الباب.
كان حديثه أمام والدها واضحًا، محترمًا، وكاملًا من كل ناحية.
لكنه لم يأتِ من العائلة "المعروفة". لم يكن غنيًا بما يكفي. ولم تكن أمه تلبس ذهبًا كثيرًا.
قال الأب: "أنت شاب طموح .. لكن ما تناسب بنتي."
وقالت الأم: "فيه واحد غيرك جاي، وعيلتهم عليهم القيمة."
رد محمد:
"يعني .. ناس هاي."
قالت الأم: "أيوه عليك نور".
عرف محمد بأن اسباب الرفض كثيرة ومتنوعة ويمكن ان يختير له أي سبب .. قام بهدوء .. وانصرف هو ووالدته.
بكت
ليلى
بحرقة، ترجّت. صمتت. ثم استسلمت.
جاء يوسف بعدها بأسابيع.
شاب ناجح، ميسور، من عائلة لها وزن اجتماعي.
قالت الأم بفخر:
"جاتك القسمة الحلوة يا بنتي."
ليلة زفافها، شعرت أنها تُسلّم نفسها لقدر لم تختره.
لم تكره يوسف .. لكنها لم تشعر معه بشيء.
بدأت حياتها كزوجة، ثم كأم، ثم كجسد يتحرك فقط.
كان يوسف محترمًا، لكنه لا يسأل، لا يشعر، لا يلاحظ.
مشغول دائمًا .. بعمله، بلقاءاته، بلحظاته الخاصة بعيدًا عنها.
أما
محمد
فقد ابتعد.
لم يتحدث عنها بسوء، ولم ينسها.
عاش حياة هادئة .. ظاهريًا، لكن روحه وقلبه بقي عالقًين هناك، عند الباب الذي أُغلق في وجهه، وعند الحب الذي صدقه ولم ينجُ.
مرّت سنوات...
تزوج
محمد
كما يتزوج الكثير من الناس،
تعرّف على فتاة طيبة، متفهمة، تشبه الحياة المستقرة، لكن لا تشبه ليلى.
كان يعاملها بلطف، يحاول أن يحبها كما تستحق،
لكن شيئًا ما كان مكسورًا فيه .. شيء لم يلتئم.
كان أحيانًا يستيقظ ليلًا، وهو يتذكّر صوت ضحكة ليلى، حين كانت تتكلم عن أحلامها، وعن خوفها من أن تصبح "زوجة والسلام".
يتذكر كيف أغلقت بابه، كيف لم تقاتل .. أو ربما، لم تستطع. اسئله كثيرة لا يجد لها تفسير او إجابة.
في كل مرة كانت زوجته تسأله:
"سرحت في إيه؟"
كان يبتسم:
"ولا حاجة، شغل كتير بس."
لكن الحقيقة؟
كان يعيش بين ماضي لم يكتمل، وحاضر لا يملكه بالكامل.
في قلبه، ظلّ يرى نفسه على باب بيتها، صوته يحكي عن الحب والمستقبل، وعيناه تقابلان نظرة أبيها الباردة.
لم يكره زوجته، لكنه لم يحبها بالطريقة التي يعرفها.
وكان كلما رأى ابنته تكبر، شعر بالذنب:
هل سيراها يومًا تبكي كما بكت ليلى؟
هل سيقف في وجه حبها؟
أم سيكون لها كما تمنى لو كان له أحد؟
في لحظة هادئة، كتب
محمد
في دفتره القديم:
"لم أندم على حبي، بل ندمت أني لم أستطع حمايته.
لم أخن أحدًا .. فقط خُنت نفسي حين تظاهرت أني بخير.
أنا لا أعيش حزينًا، لكنني .. لا أعيش كاملاً.".
ثم طوى الدفتر .. وذهب ليكمل يومه، بابتسامة متعبة.
واما
ليلى
تذكرت تلك اللحظة، شعرت أنها نقطة النهاية الحقيقية.
ولمّا كبرت ابنتها، ورأتها تضحك بعفوية، شعرت بالخوف.
هل ستأتي لحظة تُفرض فيها عليها قسمة .. لا تختارها؟
جلست ذات مساء، وكتبت:
غدًا،
إن جاء من يحب ابنتي .. سأفتّش فيه عن إنسانيته، لا ماله.
سأمنحها الحق الذي لم يُمنح لي."
ثم نظرت من النافذة، وكتبت تحتها بخط صغير:
هل كنتَ يومًا مثل محمد
طرقت بابًا وخرجت بقلب مكسور؟
أم كنتِ مثل ليلى .. أُجبرت على قبول حياة لا تشبهك؟
أم كنتَ يوسف .. من ظن أن كل شيء بخير، ولم يعرف أن الروح كانت غائبة؟
أم كنت .. النصيب؟
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025

تعليقات
إرسال تعليق