التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عبده حسين الأدهل: ضوء في ممرات الاستعمار .. وانطفاء بفعل الرفاق

زاهر ڤويس ..

عبده حسين الأدهل: ضوء في ممرات الاستعمار .. وانطفاء بفعل الرفاق

"محاولة لإنصاف ذاكرة وطنية نُسيت بين ركام السياسة وتقلبات الزمن."

يصعب الكتابة عن رجلٍ تكاد شموعه تنطفئ في الذاكرة اليمنية، رغم أنه أضاء دروبًا في زمنٍ كانت فيه البلاد مكبّلةً بالأغلال. ورغم ذلك، ظلّت سيرة عبده حسين الأدهل رهينة النسيان، دون إنصافٍ يليق بتجربته النضالية والثقافية الممتدة لعقود.

عبده حسين الأدهل: ضوء في ممرات الاستعمار .. وانطفاء بفعل الرفاق

الولادة والنشأة

عبده حسين الأدهل Abdo Hussain Adhal، وُلد يوم الجمعة بتاريخ 12 أبريل 1918 في مدينة الشيخ عثمان، محافظة عدن - اليمن. وتفتّح وعيه في فترةٍ حرجةٍ من التاريخ اليمني، حين كانت عدن خاضعة للاستعمار البريطاني، والشمال أسير الإمامة.

بين الاستعمار والاستقلال

كان من أوائل من نادوا بإنهاء الاستعمار، وشارك في الحراك الوطني في عدن منذ بداياته. لم يكن خطيبًا في الميادين، ولا مقاتلًا في الجبال، بل كان من المثقفين الذين خاضوا معركة الوعي بالكلمة والكتاب والعمل المؤسسي

المواقف الوطنية والنشاط السياسي

لم يكن الأدهل منتمياً لأي حزب سياسي، لكنه عبّر عن آرائه بجرأة عبر صحيفة "القلم العدني"، حيث كتب في زاوية أسبوعية تحت عنوان "في سبيل الحرية"، منتقدًا الاستعمار البريطاني وعملائه. وقد عُرف بنشاطه السياسي والمجتمعي المعارض للوجود البريطاني، مما عرّضه للاعتقال، والضرب، ومحاولات اغتيال، من قبل سلطات الاستعمار البريطاني، كما ضُيّق عليه لاحقًا من قبل حكومة الجبهة القومية ثم النظام الماركسي.

الحاج عبده حسين الأدهل في المعتقل

وقد ورد اسم عبده حسين الأدهل في وثائق الأمم المتحدة، وتحديدًا في الوثيقة المُشار إليها بالرمز A/AC.165/PV.21، ضمن مناقشات اللجنة الخاصة المعنية بعدن، مما يعكس دوره البارز في الحياة السياسية والاجتماعية للمدينة خلال فترة الاحتلال البريطاني.

تحت العنوان الرئيسي "شعب ردفان كشعب عدن يعارض نفس الأوضاع"، نشرت صحيفة "الأخبار" في عددها الصادر بتاريخ 15 مايو 1964 خبرًا يُشير إلى قيام الكاتب السياسي المعروف في عدن، عبده حسين الأدهل، بإرسال برقية إلى وزير المستعمرات البريطاني، وقد أُشير إلى نشر نص البرقية كاملة لما تحمله من أهمية في ذلك السياق.

دوره في قضية الأمير عبد الكريم الخطابي

يُعد عبده حسين الأدهل من أبرز تجار مدينة عدن ورجالها المعروفين، الذين جمعوا بين العمل الاقتصادي والدور الوطني في النصف الأول من القرن العشرين. وكان له دور محوري في إنقاذ بطل المقاومة المغربية الأمير محمد عبد الكريم الخطابي من قبضة الاحتلال الفرنسي، وذلك في مايو من عام 1947.

وقد وثّقت هذه الحادثة مذكرات المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر، الصادرة في القاهرة عام 1951، كما تناولها الأدهل نفسه في مذكراته، مشيرًا إلى تفاصيل تلك العملية التي عكست شجاعته وتضامنه مع القضايا التحررية خارج حدود وطنه.

الحاج عبده حسين الأدهل عندما استقبل البطل العربي الأمير عبد الكريم الخطابي

برقية من عبده حسين الأدهل إلى المجاهد محمد علي الطاهر تؤكد مغادرة الباخرة "كاتومبا" ميناء التواهي وعلى متنها الأمير عبدالكريم الخطابي،

برقية من عبده حسين الأدهل إلى المجاهد محمد علي الطاهر تؤكد مغادرة الباخرة "كاتومبا" ميناء التواهي وعلى متنها الأمير عبدالكريم الخطابي، تقابلها برقية الطاهر إلى الملك فاروق

تقابلها برقية الطاهر إلى الملك فاروق لإبلاغه بوجود الخطابي على متن الباخرة وضرورة التدخل لإنزاله فورًا.

الفضيل الورتلاني وثورة 1948

بعد فشل ثورة 1948 في صنعاء، قام عبده الأدهل باستضافة المفكر الجزائري الفضيل الورتلاني، أحد المشاركين في الثورة، وقد وفر له الحماية في منزله بعد أن تخلى عنه الجميع. تصدى لسلطات الاستعمار التي طالبت بترحيله، ومنحه المال والأمان وساعده على مغادرة عدن بكرامة، رغم قرار جامعة الدول العربية بمنعه من دخول أراضيها. كان من بين ما تمت مصادرته لاحقًا من ممتلكات الأدهل مذكرات الورتلاني حول اليمن وثورة 48، والتي لم يُكتب لها النشر.

جسر التواصل بين صنعاء وعدن والقاهرة: تنسيق خفي يمهد للثورة

ساهم الأستاذ عبده حسين الأدهل في جهود تقريب وجهات النظر بين الأحرار اليمنيين في صنعاء وعدن والمقيمين في القاهرة، ما ساعد في الإعداد لثورة 26 سبتمبر 1962 المجيدة. ولعب الأدهل دورًا محوريًا كوسيط سري للمراسلات، عبر صيدليته الخاصة "صيدلية الشرق" الواقعة في حي الميدان – كريتر، عدن، والتي تحولت إلى نقطة آمنة لتبادل الرسائل بينه وبين رموز حركة الأحرار. وكان عبد الملك الطيب أحد أبرز من تولوا نقل هذه الرسائل إلى الضباط المصريين الداعمين للثورة.

ويُذكر أن الصيدلية نفسها صودرت لاحقًا ضمن موجة التأميم في السبعينيات، ما شكّل خسارة شخصية ومهنية فادحة للأدهل بعد سنوات من النجاح في مجال الأدوية.

وفي هذا السياق، يروي الكاتب فاروق لقمان: "لقد كان الأدهل من أشجع الشخصيات في جنوب اليمن خلال فترة الاستعمار البريطاني، وما يُعرف بالمحميات. وعندما صدر كتابه (الاستقلال الضائع)، تأكدت من جسارته وصراحته، وجرأته التي لم تأبه بمن قد يغضب من مواقفه، وهو ما حدث بالفعل.

المناصب الرسمية والمجتمعية

- انتُخب عام 1952 عضوًا في مجلس عدن التشريعي.

انتُخب عام 1952 عضوًا في مجلس عدن التشريعي.

- تقلّد منصب وزير المالية في حكومة زين عبده باهرون
- عُيّن عضوًا في محكمة الاستئناف الخاصة قضايا الهجرة
- عضو في العديد من اللجان
- لجنة تفقد السجون
- لجنة المصحات العقلية
- محكمة سواقط القيد
- جمعية أولاد الفقراء
- جمعية مالكي السيارات وسائقيها

- عمل في القطاع الخاص وبفضل مكانته كأحد أبرز تجار عدن، كان لديه القدرة على دعم افتتاح المدارس ومساندة الأسر المحتاجة.

السيد عبده حسين الأدهل من أعيان بلدة الشيخ عثمات بجوار عدن وقد أدى خدمات لجهاد فلسطين سنة 1937– 1939

العمل التعليمي والاجتماعي

• أسس عددًا من المدارس: مدرسة النهضة العربية في الشيخ عثمان، مدرسة الخيسة بعدن الصغرى، مدرسة بير فقم، ومدرسة مصعبين.

• عمل على توفير فرص عمل للنازحين من الشمال بعد فشل ثورة 1948.

• ساهم في بناء مسجد الرحمن شمال المنصورة بعد أن اعتُقل مؤسسه المحامي أنصاري، وكان إتمامه لبناء المسجد أحد اسباب مصادرة ممتلكاته وتشريد أسرته من قبل حكومة الجبهة القومية (الحزب الماركسي لاحقا).

• تطوع في جمعية مكافحة السل لدعم الأسر التي يعالج عائلها في المستشفى.

• عضو في لجنة توزيع الأغذية المقدّمة من هيئة الإغاثة الكاثوليكية للاجئين الفارين من قمع النظام الماركسي في الجنوب إلى تعز وغيرها.

شهادة مدرسية وتحية من أحد تلاميذ فقم

الصورة التالية توثق نجاح الطالب أحمد محمد يونس في الصف الرابع ضمن مدرسة الأدهل Adhal School – بير فقم، أواخر الستينات

لاحقًا أصبح الطالب أستاذًا، وكتب رسالة وجدانية قال فيها:

السيد عبده حسين الأدهل
شخصية استثنائية بكل معنى الكلمة. رجل بر وإحسان، عاش بيننا في قرية فقم وسكن فيها، وترك أثرًا لا يُمحى في حياتنا. أغدق على قريتنا من كرمه، وجعل من منزله الكبير عيادة طبية لعلاج المرضى وشفاء الجرحى.
نحبه كما لو كان واحدًا منّا.
لقد زرع فينا قيماً نبيلة من النبل والوفاء والكرم، وما يزال اسمه يُذكر بكل إجلال وإكبار.
عن أهالي قرية فقم
أحمد محمد يونس – مالك برداحة

وثيقة نادرة تثبت تأسيس الأدهل للجمعية العدنية عام 1949

تكشف وثيقة رسمية صادرة عن "الجمعية العدنية" بتاريخ 23 مارس 1949، عن دعوة لاجتماع مجلس إدارتها برئاسة عبده حسين الأدهل، وتضمّنت أسماء الأعضاء المؤسسين، من بينهم الدكتور أحمد سعيد عفارة كنائب للرئيس.
تدحض هذه الوثيقة الادعاءات الحديثة التي حاولت نسب تأسيس الجمعية العدنية إلى شخصيات أخرى، وتؤكد بالدليل القاطع دور الأدهل المؤسس والقيادي في هذه المؤسسة المدنية البارزة.

وثيقة نادرة تثبت تأسيس الأدهل للجمعية العدنية عام 1949م

مصادرة واستبعاد

بعد الاستقلال، تغيّرت الظروف السياسية، وأصبح بعض الرفاق في النضال السابق، خصومًا في واقعٍ جديد. فتمت مصادرة كافة ممتلكاته، ومنها مكتبته الخاصة، وتشريد أسرته، وأُقصي من المشهد الرسمي بهدوء.

مصادرت ممتلكات الأدهل

وقد كشفت وثائق رسمية صادرة عن وزارة المالية في يناير 1972 عن الإجراءات المتخذة بحقه، ونستعرض منها ثلاث وثائق تُبرز تفاصيل المصادرة.

تُبيّن الوثائق تشكيل لجنة لجرد ممتلكاته، قطعةً قطعة، تمهيدًا لنقل ملكيتها إلى الدولة. من بينها منزله وصيدليته (صيدلية الشرق Orient Pharmacy) الواقعة في مدينة كريتر – عدن، وفروعها.

وفي رسالة صادرة من مكتب وزير المالية، جرى التأكيد على أن مصادرة أملاك الأدهل جاءت لأسباب سياسية في الأساس، بالإضافة الى ديون للدولة،

دون أي إشارة إلى مسوّغ قانوني أو حكم قضائي، في مشهدٍ يعكس الطابع السياسي البحت للقرار.

أدناه صور لبعض هذه الوثائق، كما وردت في مخطوطه "الاستقلال الضائع - مذكرات عبده حسين الأدهل"، كدليل ملموس على ما تعرّض له من ظلم:

صور لبعض هذه الوثائق، كما وردت في مخطوطه "الاستقلال الضائع"، كدليل ملموس على ما تعرّض له من ظلم

الإنتاج الفكري

• أهذا كتاب أبيض؟ (1960): رد على ما أصدرته بريطانيا بشأن مستقبل عدن والجزر اليمنية.

• الاستقلال الضائع: الملف المنسي لأحداث اليمن الجنوبية - مذكرات عبده حسين الأدهل – دار العهد، القاهرة.

• مأساة شعب – سلسلة أوراق من اليمن الجنوبية.

• القات بين التحليل والتحريم: مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء.

الإنتاج الفكري

روابط التحميل pdf:

📘 تحميل الكتاب:
📥 كتاب مأساة شعب

أدوار مجتمعية صامتة، وعطاء لا يُرى .. لكنه يُروى

رغم أن عبده حسين الأدهل لم يكن من أولئك الذين يتحدثون كثيرًا عمّا يقدّمونه، إلا أن شهادات البعض كشفت لنا عن أدوار ظل يؤديها بعيدًا عن الأضواء؛ من دعمه لبعض الفرق الرياضية الناشئة وتكفله بملابسهم وتجهيزاتهم، إلى مساعداته لطلبة أرسلهم للدراسة في الخارج. امتد عطاؤه ليشمل أفرادًا في مواقع متعددة، لم يكن يفرّق في دعمه بين احد، بل يرى في كل فرد وجهًا من وجوه الوطن.

أطلق عليه الأديب علي محمد لقمان لقب "المُحسن الكبير"

تلك الإشارات التي بدت متفرقة، لم تكن يومًا للتباهي، بل كانت امتدادًا لطبيعة عطائه الهادئ.

الأوسمة والتكريم

تكريمه المتأخر

ورغم محاولاتٍ لاحقة لتكريمه، بقي ذلك في حدود ضيقة، ولم يحظَ بتقدير رسمي يليق بإرثه الوطني والمعرفي.

بعض الأفراد والباحثين لا يزالون يستذكرونه ويعيدون نشر مقتطفات من كتبه ومقالاته.

وفي عام 2007، كرّمه منتدى أدبي محلي بدرعٍ تقديري بسيط، في احتفالية متواضعة شهدها قلّة من رفاقه القدامى.

• شهادة تقدير من حزب الرابطة اليمنية (رأي).

• شهادة من المجلس المحلي لمديرية البريقة تكريمًا لتأسيسه أول مدرسة بالمنطقة.

• سُمّي أحد شوارع المنصورة بعدن باسم شارع الأدهل تكريمًا له ولشقيقه عثمان حسين الأدهل.

• أطلق عليه الأديب علي محمد لقمان لقب "المُحسن الكبير".

وفاته وظلال النسيان

توفي عبده حسين الأدهل يوم الجمعة، 23 يوليو 2010، عن عمر ناهز 92 عامًا، بعد حياة مليئة بالعطاء في ميادين الوطن والفكر والعمل الخيري. بعد رحلة طويلة من الكفاح الهادئ. رحل بصمت، كما عاش، وخلّف وراءه سيرةً تستحق أن تُروى للأجيال.

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأنزل عليه رحمتك ورضوانك. اللهم اجزه عنّا خير الجزاء، وبلّغه منازل الصالحين

لقد خسر الوطن رجالًا مثلَه، لا بسبب الموت وحده، بل أحيانًا بسبب الجحود ..

🔗 روابط مرجعية وتوثيقية:

🔗 أرشيف أسرة الأدهل


🔗 صفحة عبده حسين الأدهل على فيسبوك


🔗 كتب عبده حسين الأدهل
📘 تحميل كتاب الاستقلال الضائع – الطبعة الثانية
📘 تحميل كتاب مأساة شعب
📘 تحميل كتاب القات بين التحليل والتحريم

🔗 الأمم المتحدة - ورد اسم عبده حسين الأدهل وتحديدًا في الوثيقة المُشار إليها بالرمز A/AC.165/PV.21، ضمن مناقشات اللجنة الخاصة المعنية بعدن، مما يعكس دوره البارز في الحياة السياسية والاجتماعية للمدينة خلال فترة الاحتلال البريطاني


🔗 سجل الأرشيف الوطني – The National Archives
- عدن السيد عبده حسين الأدهل، وزير المالية



🔗 موقع محمد علي الطاهر - مأدبة الأمير عبدالكريم الخطابي في عدن (1947)


🔗 موقع محمد علي الطاهر - الباخرة كاتومبا – نقل الأمير من لا ريونيون إلى فرنسا


🔗 بلقيس نتالأدهل وإنقاذ أمير الريف المغربي


🔗 النداء نتكأنها أسطورة .. لا بل هي فعلًا أسطورة اسمها عبده حسين الأدهل


🔗 قناة علي ناصر - Ali Nasser - فيديوافتتاح المجلس التشريعي بعدن (1964م)


🔗 موقع Ali Nasserعبده حسين الأدهل - سيرة


🔗 مأرب برستشييع جثمان عبده حسين الأدهل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة لهذا الشهر

حياء المرأة وأنوثتها .. بين الماضي والحاضر

رسالة من جيلٍ شارف على الرحيل .. حين تصبح التقنية أقوى من ضمير البشر