الاحتلال الفرنسي في أفريقيا
الكذبة الكبرى ورسائل تحذيرية
ظل الاحتلال الفرنسي في أفريقيا إحدى أعمق الفصول المؤلمة في تاريخ القارة، حيث امتدت تداعياته لعقود طويلة بعد نيل الدول المستعمرة استقلالها الرسمي. هذا المقال يستعرض أبرز المحطات التي ميزت العلاقة بين فرنسا والدول الأفريقية التي احتلتها، مع التركيز على سياسات التبعية الاقتصادية والسياسية التي ما زالت تؤثر على هذه الدول حتى اليوم.
تنويه: تم استخدام الصورة المرافقة لأغراض ثقافية أو توضيحية أو سردية، مع حفظ كامل الحقوق لأصحابها الأصليين
احتلت فرنسا 16 دولة في قارة أفريقيا، وهي: بنين، غينيا، ساحل العاج، بوركينا فاسو (فولتا العليا سابقًا)، مالي، النيجر، السنغال، توغو، المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، ألبريدا في غامبيا، الكاميرون، جيبوتي، وتنزانيا (أرخبيل زنجبار، حيث اسم تنزانيا مشتق من اتحاد تنجانيقا وزنجبار).
الكذبة الكبرى
أعلن الرئيس الفرنسي شارل ديغول بتاريخ 8 أغسطس 1958م أنه سيمنح المستعمرات الفرنسية خيارًا بين التمتع بالمزيد من الحكم الذاتي في "المجتمع الفرنسي الجديد" أو الاستقلال الفوري خلال الاستفتاء المزمع عقده في 28 سبتمبر 1958.
رسالة تحذيرية لجميع الدول الأفريقية
قرر سيكو توري، رئيس غينيا، الاستقلال عن المستعمر الفرنسي سنة 1958م تحت شعار: "نحن نفضل الحرية في فقر على الترف في ظل العبودية". وقد أغضب هذا القرار فرنسا، التي قامت بممارسة ضغوط شديدة على غينيا، دمرت المباني الإدارية ومراكز الأبحاث والآلات الزراعية، وحتى الأبقار، بحجة حرمانها من امتيازات المستعمر. هذه كانت رسالة تحذيرية لجميع الدول الأفريقية الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي.
اغتيال أوليمبيو في توغو
سيلفانوس أوليمبيو، رئيس جمهورية توغو المنتخب، رفض التوقيع على اتفاقية استمرار الاحتلال الفرنسي لكنه وافق على دفع مبلغ سنوي لفرنسا مقابل الاستفادة من المستعمر. كان المبلغ يعادل حوالي 40% من ميزانية الدولة لعام 1963م. لتفادي عدم استقرار الوضع المالي، قامت توغو بطباعة عملة خاصة بها والاستغناء عن الفرنك الأفريقي. بعد ثلاثة أيام من هذه الخطوة، اغتيل أوليمبيو على يد مجموعة من الجنود بدعم فرنسي.
لا توجد وثائق رسمية تثبت تورط فرنسا في اغتياله، لكن هناك شهادات ومؤشرات قوية وردت في مصادر تاريخية وأكاديمية تشير إلى احتمال ضلوع فرنسا بشكل مباشر أو غضها الطرف عن العملية.
الانقلابات والتحرر
انقلابات رؤساء أفارقة مرتبطون بالاحتلال الفرنسي
حاول العديد من الرؤساء التحرر من الاستعمار الفرنسي ولكن كانت نهايتهم انقلابًا أو اغتيالًا، منهم:
1968: موديبا كيتا، رئيس مالي المنتخب، ضحية انقلاب بعد محاولته تغيير العملة.
1966: موريس ياموجو، رئيس فولتا العليا المنتخب، ضحية انقلاب.
1972: هوبرت ماجا، رئيس بنين المنتخب، ضحية انقلاب.
تشير بعض الدراسات إلى أن خلال 50 سنة وقعت 67 انقلابًا في 26 دولة أفريقية، منها 16 دولة كانت تحت الاحتلال الفرنسي.
الاستمرار والتبعية الاقتصادية
حتى اليوم، تبقى 14 دولة أفريقية ملزمة بوضع 85% من احتياطاتها بالعملة الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي تحت الرقابة الفرنسية، بينما يُسمح لها فقط بالوصول إلى 15% من الأموال خلال السنة. أي مبلغ إضافي يُعتبر قرضًا بفوائد لصالح الخزانة الفرنسية.
الإستقلال السياسي والتبعية الاقتصادية
بالإضافة إلى ذلك، تستمر الشركات الفرنسية في استغلال وثروات هذه الدول بطرق عدة، مما يحافظ على تبعية اقتصادية معقدة رغم الاستقلال السياسي.
إن الاستقلال السياسي لم يكن نهاية التحديات التي تواجه الدول الأفريقية التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي، بل بدأت معها مرحلة جديدة من التبعية الاقتصادية والسياسية التي أثرت على مسارات التنمية والاستقرار. فهم هذه الحقائق يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول كيفية تحقيق استقلال حقيقي يشمل جميع أوجه السيادة.
تعليقات
إرسال تعليق