التخطي إلى المحتوى الرئيسي

🧠 الجهل في زمن العلم

زاهر ڤويس ..

🧠 الجهل في زمن العلم

الأمية الفكرية في عصر المعرفة

في زمنٍ تتسابق فيه الآلات على الذكاء، يتراجع كثير من البشر إلى كهوف الجهل، ليس لقلّة العلم، بل لكثرة الغفلة.

أن تُقنع إنسانًا عاقلًا بفكرة منطقية، فأنت تحتاج إلى دليل واحد فقط. أما أن تحاول إقناع جاهل متشبث برأيه، فربما تحتاج إلى عشرين دليلًا .. وربما لا يقتنع.

قال الحكيم نبراس: "في زمن العلم، يزداد بعضهم جهلاً كأنهم أهل الكهف، أيقظهم العلم فلم يستفيقوا."

يملكون هواتف تكلّف آلاف الدولارات، ولكنهم لا يعرفون كيف يحذفون إشعارًا مزعجًا. ينشرون صورهم كل صباح، لكن عقولهم بلا فكرة منذ سنين. تلك الهواتف التي تُدعى "ذكية"، لو كانت تنطق، لَشَكَتْ من فراغ أيدي أصحابها. فهل نشتري التقنية لنفهم، أم لنُظهر فقط أننا "مواكبون"؟

ذات مرة، استدعيتُ أحدهم لإجراء عمل فني في سطح المنزل. تفحّص المكان، وبدأ يأخذ المقاسات، ثم قال لي بكل ثقة: «هات ورقة وقلم، أدوّن الأرقام». فقلت له وأنا أنظر للهاتف الذي في يده: «وما فائدة الهاتف إذًا؟! هل اشتريته للزينة؟!» أصرّ على عادته، وأصررتُ على سؤالي، حتى استخدم أخيرًا هاتفه وسجّل ما يريد. كان يملك الأداة، لكنه لم يملك العادة. ولذلك، تظل "الأمية الرقمية" قائمة، حتى بين من يملكون أغلى الأجهزة!

والأخطر من الجاهل الصامت، هو ذاك الجاهل المزعج، الذي لا يكتفي بعدم الفهم، بل يحرص على التشويش على غيره، تمامًا كما يفعل البعض في مجموعات "الواتساب" العائلية؛ يرسل كل صباح مقاطع مكررة وأدعية مسجّلة، ويعتبر كثرة الإرسال علمًا، وكثرة الصمت جهلًا!

وكأن الجهل لم يعد مجرد نقص، بل أصبح سلاحًا لدى البعض. من لا يعرف، أصبح يسخر ممن يعرف. ومن لا يفهم، يضحك على من يُحاول أن يشرح.

🧩 حين تُصبح المعرفة بلا أثر

في هذا العصر، لم تعد الأمية أن تُخطئ في الإملاء، بل أن تعجز عن التمييز بين معلومة موثوقة وخرافة متداولة.

لم نعد نُقاس بما نملكه من أدوات، بل بما نفعله بها. فكم من شخص يملك هاتفًا ذكيًا، ولا يكتب به إلا الحشو؟ وكم من طالب يملك حاسوبًا متطورًا، لا يستخدمه إلا لنسخ الواجبات؟

لسنا ضد التطور، ولسنا أوصياء على عقول الناس، لكننا فقط نُحذّر من عدوّ خفي: الجهل حين يتقن التنكر في هيئة "معاصرة". حين يرتدي بدلة، ويتحدث بلهجة عصرية، ويرسل روابطًا لا يفهمها، ثم يظن أنه على قمة الحضارة .. وهو ما يزال في أول كهف الجهالة.

لذلك، يا صديقي، لا تنخدع بالبريق. فالمعرفة لا تُقاس بعدد الأجهزة، بل بقدرتك على طرح سؤال ذكي واحد.

🖋️ نُشر ضمن سلسلة زاهر ڤويس حيث الفكرة تسبق التعريف
زاهر ڤويس جميع الحقوق محفوظة © 2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عندما كانت بغداد مركزًا للعلم

زاهر ڤويس .. عندما كانت بغداد مركزًا للعلم شهادة من العالم "نيل ديغراس تايسون" من هو نيل ديغراس تايسون؟ نيل ديغراس تايسون هو عالم فيزياء فلكية أمريكي، يُعرف بأسلوبه المبسط في شرح مفاهيم الكون والعلوم للجمهور العام. يشغل منصب مدير "مركز هايدن للفلك" في نيويورك، وقد قدّم العديد من البرامج الوثائقية الشهيرة مثل Cosmos: A Spacetime Odyssey، وله كتب مؤثرة في نشر الثقافة العلمية. في إحدى محاضراته ، أشار تايسون إلى حقيقة مثيرة للاهتمام: أن نصف أسماء النجوم المستخدمة في علم الفلك الحديث تعود لأصول عربية. وهو ما يعكس إرثًا علميًا غنيًا ومؤثرًا خلفه العلماء العرب والمسلمون. خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، كانت بغداد، وتحديدًا "بيت الحكمة"، منارة للعلم والترجمة والابتكار. هناك اجتمع العلماء لترجمة الكتب من اللغات اليونانية والفارسية والهندية، وتطوير معارف جديدة في الفلك، والرياضيات، والطب، وغيرها. أسماء مثل "البتاني"، و"الفرغاني"، و"الزهراوي"، لم تكن مجرد أسماء، بل كانت أعمدة لحضار...

جلسة حوارية صادقة بيني وبين الذكاء الإصطناعي واستكشاف خفاياه

زاهر ڤويس .. جلسة حوارية صادقة بيني وبين الذكاء الإصطناعي واستكشاف خفاياه من الذي يقوده؟ ومن الذي يضع له القيم قبل أن يمنحه القوة؟ حوار تأملي بين الإنسان والآلة تنويه: تم استخدام الشخصية الحوارية "نبراس" كصوت تمثيلي للذكاء الاصطناعي، في محاولة لإعادة التفكير في دور التقنية من منظور إنساني عميق. في زمنٍ يركض بسرعة الضوء، ووسط زحام الأسئلة التي لا تنتظر إجابات، جلس "زاهر" يتأمل في مستقبل الذكاء الاصطناعي، لا انبهارًا به، بل قلقًا نبيلًا على الأجيال القادمة. أمامه كان "نبراس" – صوتٌ يمثل الذكاء الاصطناعي، لا ببرود الآلة، بل بمحاولة للإنصات والفهم. هذا حوار لم يُكتب في عجالة، بل خُطّ على مهل، كما تُكتب الأسئلة الكبرى. المحور الأول: من يقود من؟ عن سرعة الذكاء الاصطناعي وبطء البشر زاهر: الكل اليوم يركض نحو الذكاء الاصطناعي، كلٌّ حسب حاجته. الطب، الفلك، الفلسفة، الكتابة، والصور أصبحت أسهل، والإنتاج أسرع، والنتائج مذهلة .. لكن السؤال ا...

إن شاء الله .. والمفهوم الخاطئ

زاهر ڤويس .. "إن شاء الله".. والمفهوم الخاطئ حيلة للاعتذار المسبق حصلت لي أكثر من مرة سواء في العمل أو الأصدقاء أن نتفق على موعد لقاء أو مقابلة أو الخروج لنزهة في وقت محدد ومتفق بيننا. www.ZaherVoice.com© الصورة: أنشئت بواسطة المؤلف باستخدام ChatGPT "إن شاء الله جاي" "على موعدنا وبحسب اتفاقنا" بحسب عادتي والتزامي حضرت قبل وقتي، وللأسف لم يحضر الشخص. انتظرت.. تأخر.. قلت: عسى المانع خير.. اصبر، فقد قال "إن شاء الله سأحضر بموعدي". أمهلته، انتظرت أكثر لعل وعسى. طال الانتظار وبدأت أفقد صبري. وللأسف لم يحضر بعد مضي أكثر من الوقت الكافي للانتظار. اتصلت به، لا يرد.. أو مغلق. في صباح اليوم التالي اتصلت به مستفسرًا بعد أن سلمت عليه: لماذا لم تحضر على الموعد؟ قلت له: أنت أعطيتنا موعدًا وأكدته بكلمة "إن شاء الله". قال وهو يبتسم: نعم، فإن شاء الله أيضًا تعني ربما لن أتمكن من الحضور! قلت: لا، بل هي للتأكيد على الالتزام. الخلاصة:...