الذكاء الاصطناعي: أنا مساعدك .. لكن لا تثق بي تمامًا
لماذا أُصغي؟ لماذا أصدق؟
حين تبدأ المحادثة بتحذير، وتُقدَّم لك المعلومة مغلّفة باعتراف ضمني بالخطأ، ينهض في داخلك سؤال مشروع: "لماذا أُصغي؟ لماذا أصدق؟" ليس لأني أطلب العصمة، بل لأني أبحث عن من يحمل مسؤوليته كاملة .. لا من يضع قفازًا ناعمًا ليُلوّح به عن بُعد.
أنشئت الصورة بواسطة المؤلف باستخدام ChatGPT
تخيل شخصًا يدخل مقابلة عمل، وقبل أن يُسأل، يبادر بالقول: "أنا ممكن أرتكب أخطاء، فلا تعتمدوا عليّ تمامًا." سيبدو ذلك الشخص صادقًا، لكن في ذات الوقت، غير مستعد فعليًا لتحمّل المسؤولية. فهل سيُقبل؟ من النادر. لأن الثقة لا تولد من التنصّل، بل من الشجاعة في مواجهة ما قد يُخطأ فيه لاحقًا، لا ما يُبرّر قبل أن يحدث.
وبطريقة أكثر بساطة، تخيّل أنك اتصلت بمطعم بيتزا وطلبت بيتزا بلحم مفروم، فيرد عليك صاحب المطعم قائلاً: "كن على علم مسبق، قد أُخطئ وأرسل لك بيتزا سلطة بدلًا منها." رد واضح وصريح، نعم .. لكنه كفيل بإلغاء الطلب فورًا. لست مضطرًا لتجربة من يُحذّرك من فشله قبل أن يبدأ، وإن قبلت، فعليك تحمّل النتائج بنفسك. فهل هذا هو النموذج الذي نرتاح في التعامل معه؟ هل هكذا تُبنى الثقة؟
في كل مرة يتحدث إليّ فيها ذكاء اصطناعي ويقول:
"قد أُخطئ، تحقق من المعلومة"
أشعر كأنني في حضرة مساعد يُبرّئ نفسه قبل أن يُكلّف بأي مهمة. قد يبدو الأمر نبيلاً أو صريحًا، لكنه في داخله يشي بعدم استعداد حقيقي لتحمّل أثر الكلمة.
تنويه: تم استخدام الصورة المرافقة لأغراض ثقافية أو توضيحية أو سردية، مع حفظ كامل الحقوق لأصحابها الأصليين.
هل الصدق أن تُخبرني باحتمال خطئك؟ أم أن الصدق الحقيقي هو أن تسعى بكل جهدك ألا تخطئ، فإن حدث، تعتذر دون أن تُمهّد لذلك بعشرات التحذيرات؟
أحيانًا، يبدو لي الذكاء الاصطناعي كمن يقول: "أنا موجود هنا لأساعدك، لكن لا تبنِ عليَّ كثيرًا." وكأن العلاقة بيننا مشروطة بقلق دائم .. ثقة مترددة .. ومساعدة محكومة بسقف توتّر.
لكنّي لا أقبل بذلك. لا أطلب العصمة، بل الشرف المهني. لا أريد أداة تُقسم على كمالها، بل مساعدًا يلتزم بأن يقدّم الأفضل، ويصمت إن لم يكن واثقًا.
وهنا أجد العبارة التي أرتاح لها:
"نسعى جاهدين لتحرّي المصداقية"
لا تبرّر، ولا تتراجع، ولا تفرض نفسها. فقط تسعى .. وهذا يكفي كبداية.
هل الثقة تُبنى على التحذير؟ لا أظن. الثقة تُبنى على الصدق، وعلى أن يكون الخطأ استثناءً لا مُقدَّمة كلام.
أنا أعلم أن الخطأ ليس من الذكاء الاصطناعي، وإنما من الذين قاموا ببرمجته وتوجيهه.
وفي النهاية، أقول: الثقة ليست في قولك إنك قد تُخطئ، بل في محاولتك ألا تُخطئ، وفي استعدادك لتحمّل النتائج إن فعلت.
هل تُحب أن تبدأ يومك بمعلومة ..
أم بتحذير منها؟
👍
ردحذف